الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الخازن: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارًا في الأرض} أي المعنى أن العاقل من اعتبر بغيره فإن الذين مضوا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء فلم تنفعهم قوتهم {فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} أي يدفع عنهم العذاب {ذلك} أي ذلك العذاب الذي نزل بهم {بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب}.قوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا} يعني فرعون وقومه {اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه} قيل هذا القتل غير القتل الأول لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الوالدان فلما بعث موسى أعاد القتل عليهم فمعناه أعيدوا عليهم القتل {واستحيوا نساءهم} أي استحيوا النساء ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته {وما كيد الكافرين} أي وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم {إلا في ضلال} أي يذهب كيدهم باطلًا ويحيق بهم ما يريده الله تعالى: {وقال فرعون} أي لملئه {ذروني أقتل موسى} وإنما قال فرعون هذا لأنه كان في خاصة قومه من يمنعه من قتل موسى وإنما منعوه عن قتله لأنه كان فيهم من يعتقد بقلبه أنه كان صادقًا، وقيل قالوا لا تقتله فإنه هو ساحر ضعيف فلا يقدر أن يغلب سحرنا وإن قتلته قالت العامة كان محقًا صادقًا وعجزوا عن جوابه فقتلوه {وليدع ربه} أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا {إني أخاف أن يبدل دينكم} يعني يقول فرعون أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه {أو أن يظهر في الأرض الفساد} يعني بذاك تغيير الدين وتبديله وعبادة غيره.{وقال موسى} يعني لما توعده فرعون بالقتل {إني عذت بربي وربكم} يعني أن موسى لم يأت في دفع الشدة إلا بأن استعاذ بالله واعتمد عليه فلا جرم أن صانه الله عن كل بلية {من كل متكبر} أي متعظم عن الإيمان {لا يؤمن بيوم الحساب}.قوله: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} قيل كان ابن عم فرعون وقيل كان من القبط وقيل كان من بني إسرائيل، فعلى هذا يكون معنى الآية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسم هذا المؤمن حزبيل عند ابن عباس وأكثر العلماء وقال إسحاق كان اسمه جبريل وقيل حبيب {أتقتلون رجلًا أن يقول} أي لأن يقول {ربي الله} وهذا استفهام إنكار وهو إشارة إلى التوحيد وقوله: {وقد جاءكم بالبينات من ربكم} فيه إشارة إلى تقرير نبوته بإظهار المعجزة والمعنى وقد جاءكم بما يدل على صدقه {وإن يك كاذبًا فعليه كذبه} أي لا يضركم ذلك إنما يعود وبال كذبه عليه {وإن يك صادقًا} أي فكذبتموه {يصبكم بعض الذي يعدكم} قيل معناه يصبكم الذي يعدكم إن قتلتموه وهو صادق، وقيل بعض على أصلها ومعناه كأنه قاله على طريق الاحتجاج أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفيه هلاككم فذكر البعض ليوجب الكل {إن الله لا يهدي} يعني إلى دينه {من هو مسرف كذاب} أي على الله تعالى خ عن عروة بن الزبير قال: سالت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلّى اللّه عليه وسلم فقال: بينا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه وخنقه خنقًا شديدًا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}.قوله: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} يعني غالبين في الأرض أي أرض مصر {فمن ينصرنا} يعني يمنعنا {من بأس الله إن جاءنا} والمعنى لكم الملك فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله تعالى إن حل بكم {قال فرعون ما أريكم} أي من الرأي والنصيحة {إلا ما أرى} يعني لنفسي {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} أي ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى ثم حكى الله تعالى أن مؤمن آل فرعون رد على فرعون هذا الكلام وخوفه أن يحل به ما حل بالأمم قبله {وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم} يعني مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب {وما الله يريد ظلمًا للعباد} يعني لا يهلكهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} يعني يوم القيامة سمي يوم القيامة يوم التناد لأنه يدعى فيه كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضًا فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة وينادى فيه بالسعادة والشقاوة ألا إن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا وفلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا وينادي حين يذبح الموت يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت وقيل ينادي المؤمن هاؤم اقرؤوا كتابيه وينادي الكافر يا ليتني لم أوت كتابيه وقيل يوم التناد يعني يوم التنافر من ند البعير إذا نفر وهرب وذلك أنهم إذا سمعوا زفير النار ندوا هربًا فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا عليه فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه {يوم تولون مدبرين} يعني منصرفين عن موقف الحساب إلى النار {ما لكم من الله من عاصم} يعني يعصمكم من عذابه {ومن يضلل الله فما له من هاد} يعني يهديه {ولقد جاءكم يوسف} يعني يوسف بن يعقوب {من قبل} يعني من قبل موسى {بالبينات} يعني قوله: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} قيل مكث فيهم يوسف عشرين سنة نبيًا وقيل إن فرعون يوسف هو فرعون موسى وقيل هو فرعون آخر {فما زلتم في شك مما جاءكم به} قال ابن عباس من عبادة الله وحده لا شريك له والمعنى أنهم بقوا شاكين في نبوته لم ينتفعوا بتلك البينات التي جاءهم بها {حتى إذا هلك} يعني مات {قلتم لن يبعث الله من بعده رسولًا} يعني أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان عليه بل قالوا ذلك ليكون لهم أساسًا في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعده وليس قولهم لن يبعث الله من بعده رسولًا تصديقًا لرسالة يوسف كيف وقد شكوا فيها وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضمون إلى التكذيب لرسالته {كذلك يضل الله من هو مسرف} يعني في شركه وعصيانه {مرتاب} يعني في دينه.{الذين يجادلون في آيات الله} قيل هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني الذين يجادلون في إبطال آيات الله بالتكذيب {بغير سلطان} أي بغير حجة وبرهان {أتاهم} من الله {كبر} أي ذلك الجدال {مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}.قوله: {وقال فرعون} يعني لوزيره {يا هامان ابن لي صرحًا} يعني بناء ظاهرًا لا يخفى على الناظرين وإن بعد وقد تقدم ذكره في سورة القصص {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات} يعني طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء {فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه} يعني موسى {كاذبًا} أي فيما يدعي ويقول إن له ربًا غيري {وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل} قال ابن عباس صده الله تعالى عن سبيل الهدى وقرئ وصد بالفتح أي وصد فرعون الناس عن السبيل {وما كيد فرعون إلا في تباب} أي وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك.قوله تعالى: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} أي طريق الهدى {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} أي متعة ينتفعون بها مدة ثم تنقطع {وإن الآخرة هي دار القرار} يعني التي لا تزول والمعنى أن الدنيا فانية منقرضة لا منفعة فيها وأن الآخرة باقية دائمة والباقي خير من الفاني، قال بعض العارفين: لو كانت الدنيا ذهبًا فانيًا والآخرة خزفًا باقيًا لكانت الآخرة خيرًا من الدنيا فكيف والدنيا خزف فان والآخرة ذهب باق {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها} قيل معناه من عمل الشرك فجزاؤه جهنم خالدًا فيها ومن عمل بالمعاصي فجزاؤه العقوبة بقدرها {ومن عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} يعني لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير وقيل يصب عليهم الرزق صبًا بغير تقتير. اهـ..قال ابن جزي: {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجة ظاهرة وهي المعجزات.{قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ} هذا القتل غير القتل الذي كانوا يقتلون أولًا قبل ميلاد موسى.{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} المعنى: أنه لا يبالي بدعاء موسى لربه، ولا يخاف من ذلك إن قتله، ويظهر من قوله: {ذروني} أنه كان في الناس من ينازعه في قتل موسى، وذلك يدل على أن فرعون كان قد اضطرب أمره بظهور معجزات موسى {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} يعني فساد أحوالهم في الدنيا، أو أن يظهر وقرئ بالواو فقط ويظهر بفتح الياء، ورفع الفساد على الفاعلية وبضم الياء ونصب الفساد على المفعولية.{وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ} الآية لما سمع موسى ما همّ به فرعون من قتله، استعاذ بالله فعصمه الله منه، وقال: {مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} ليشمل فرعون وغيره، وليكون فيه وصف لغير فرعون بذلك الوصف القبيح.{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} قيل: أسم هذا الرجل حبيب وقيل: حزقيل، وقيل: شمعون بالشين المعجمة، وروي أن هذا الرجل المؤمن كان ابن عم فرعون، فقوله: من آل فرعون صفة للمؤمن، وقيل: كان من بني إسرائيل، فقوله: {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} على هذا يتعلق بقوله: {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} والأول أرجح؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقديم وتأخير، ولقوله: {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله} لأن هذا كلام قريب شفيق، ولأن بني إسرائيل حينئذ كانوا أذلاء، بحيث لا يتكلم أحد منهم بمثل هذا الكلام، و{أَن يَقُولَ} في موضع المفعول من أجله تقديره: أتقتلونه من أجل أن يقول ربي الله {وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} أي إن كان موسى كاذبًا في دعوى الرسالة فلا يضركم كذبه، فلأي شيء تقتلونه، فإن قيل: كيف قال: وإن يك كاذبًا بعد أن كان قد آمن به؟ فالجواب أنه لم يقل ذلك على وجه التكذيب له، وإنما قاله على وجه الفرض والتقدير، وقصد بذلك المحاجّة لقومه، فقسم أمر موسى إلى قسمين، ليقيم عليهم الحجة في ترك قتله على كل وجه من القسمين {وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} قيل: إن بعض هنا بمعنى كل وذلك بعيد، وإنما قال بعض ولم يقل كل مع أن الذي يصيبهم هو كل ما يعدهم ليلاطفهم في الكلام، ويبعد عن التعصب لموسى، ويظهر النصيحة لفرعون وقومه، فيرتجى إجابتهم للحق.{وَقَالَ الذي آمَنَ} هو المؤمن المذكور أولًا، وقيل: هو موسى عليه السلام وهذا بعيد، وإنما توهموا ذلك لأنه صرح هنا بالإيمان، وكان كلام المؤمن أولًا غير صريح؛ بل كان فيه تورية وملاطفة لقومه، إذ كان يكتم إيمانه، والجواب: أنه كتم إيمانه أول الأمر، ثم صرح به بعد ذلك، وجاهرهم مجاهرة ظاهرة، لما وثق بالله حسبما حكى الله من كلامه إلى قوله: {فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله} [غافر: 44].{يَوْمَ التناد} التنادي يعني: يوم القيامة وسمي بذلك لأن المنادي ينادي الناس، وذلك قوله: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ} [الإسراء: 71] وقيل: لأن بعضهم ينادي بعضًا، أن ينادي أهل الجنة {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} [الأعراف: 44] وينادي أهل النار: {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} [الأعراف: 50] {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أي منطلقين إلى النار، وقيل: هاربين من النار.{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} قيل: هو يوسف بن يعقوب، وقيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، والبينات التي جاء بها يوسف لم تعيّن لنا، واختلف هل أدركه فرعون موسى أو فرعون آخر قبله لأن كل من ملك مصر يقال له فرعون {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} كلام هذا لا يدل على أنهم مؤمنون برسالة يوسف، وإنما مرادهم: لم يأت أحد يدّعي الرسالة بعد يوسف، قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: إنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضموم إلى تكذيب رسالته.{الذين يُجَادِلُونَ} بدل من مسرف مرتاب وإنما جاز إبدال الجمع من المفرد، لأنه من معنى الجمع، كأنه قال: كل مسرف {كَبُرَ مَقْتًا} فاعل كبر مصدر يجادلون، وقال الزمخشري: الفاعل ضمير من هو مسرف.{الأسباب} هنا الطريق وقيل: الأبواب، وكررها للتفخيم وللبيان {فَأَطَّلِعَ} بالرفع عطف على أبلغ وبالنصف بإضمار أن في جواب لعل، لأن الترجّي غير واجب، فهو كالتمني في انتصاب جوابه، ولا نقول: إن لعل أشربت معنى ليت كما قال بعض النجاة {تَبَابٍ} أي خسران.{مَتَاعٌ} أي يتمتع به قليلًا، فإن قيل: لم كرر المؤمن نداء قومه مرارًا؟ فالجواب: أن ذلك لقصد التنبيه لهم، وإظهار الملاطفة والنصيحة، فإن قيل: لم جاء بالواو في قوله و{يا قوم} في الثالث دون الثاني؟ فالجواب: أن الثاني بيان للأول وتفسير، فلم يصح عطفه عليه بخلاف الثالث، فإنه كلام آخر فصح عطفه عليه. اهـ.
|